منذ أن خط الإنسان أول حرف إلى وقتنا الحالي ، تنوعت أساليب التعليم وحدث فيها مدَ وجزر، متأثرة بتغير الظروف المحيطة ، فنجد أنه مرتبط بالوضع السياسي في الدولة ومدى اهتمامه بالعلم والعلماء وإعطائهم قدر من الإحترام والتقدير في المجتمع ، ويصبح للعالم مكانة إجتماعية موازية لأصحاب السلطة والقوة والثروة ، فعندما كان الأغريق يهتمون بعلمائهم ويقدرونهم كانت اليونان القديمة منارة العلم والعلماء ( كـسقراط وأبقراط وأفلاطون وأرسطو) ، حين كان المسلمين شعلة أضأت العالم وأنارته في عصر الظلمات ، كان للعالم إحترام وتقديروقدموه للعالم أثروا العالم بإنتاجهم ( كإبن سينا والخوارزمي وإبن رشد و...... غيرهم ) ،وعندما أقدمت هذه الإمبراطوريات على التضيق على العلماء وعلى الحجر على علمهم ، غابت في غياهب الظلام فتفتفتت وانهارت قوتها وأصبحت أراضيها مرام ومرتع للأمبراطوريات الأخرى .
نلاحظ حتى النهضة التي صاحبت أوروبا بعد عصور الظلام ، إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بمدى إرتخاء القبضة التي كانت مفروضة من الكنيسة عليهم ، فبعد أن كانت تتهمهم بالهرطقة وتحكم عليهم بالصلب والحرق إن لم يرجعو عن اّراءهم كـحكمهم على (جاليليو) ، الذي قال أن الأرض كروية ، وأنها ليست مركز العالم ، فإطر مسكيناً أن يتراجع عن رأيه للحفاظ على رأسه ، فبعد أن خفت الكنيسة قبضتها وأهتمت بشؤونها ، وأصبح للعالم حرية في إبداء رأيه ، ووضع نظرياته ، قامت الحضارة في هذه الدول وأصبحت تتنافس على حكم العالم ، واستمر التنافس حتى عصرنا الحالي ، فنجد أن الدول المتقدمة مهتمة بالتعليم إهتمام جدري ولا تكتفي بالعلماء من جنسيتها فقط ، بل تضع المغريات والحوافز لأستقطابهم من جميع أنحاء الأرض , فأمريكا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت بنقل كامل لمشروع الصواريخ الألمانية بمعداته ومواده وعلمائه ، بل وأعطتهم الجنسية الأميريكية ووفرت لهم الإمكانيات المادية حتى قامو بإيصالهم للقمر .
ومماسبق ذكره وبإستعراض تجارب الأمم السابقة وقياس مدى قوتها ومكانتها بمدى إهتمامها بالعلم والعلماء ، فنجد أن هذه العلاقة علاقة جذب وتوازي وإن كانت الغلبة فيها للعلم ، فالعلم يبني القوة وينميها ، وقوة بدون علم هي قوة منعدمة لأن أدواتها مرتبطة بعوامل خارجية وتتحكم فيها ، ولهذا فإننا نتطلع لتغيير الإهتمام بالعلم والتعليم في ليبيا وتغيير العلاقة بالعلماء بعد أن كانت طاردة إلى جاذبة ، وبعد أن زال المسبب نأمل أن تزال الأسباب .
عبد الباسط مادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق